الثلاثاء، 9 مارس 2010

سنن السبق والمسارعة عند المسلم الرسالي

لقد جعل الله الدنيا في حركة دائبة والناس فيها في سباق دائم لا يفتر ولا ينقطع

لكن لكل سباقه ولكل سباق أهدافه ومسالكه ومتاعبه.

ويبقى السؤال كيف يسبق المسلم الرسالي ويسارع إلى الخيرات ، كيف يبلغ رسالته ويقوم بدعوته وفق السنن حتى يكون بلاغه مبينا ودعوته على بصيرة فيقرب بذالك مما كان عليه الأنبياء والمرسلين حتى يكون سعيه مشكورا.

والسبق الذي نريده هو سبق في الزمان والمكان والمآل قال الشاعر :

دقات قلب المرء تقول له إن عمرك دقائق وثوان # فاغتنمها يكتب لك عمر ثان

فجعل الله لذالك سنن وقوانين مبثوثة في القران والسنة ما علينا إلا اكتشافها واستخراجها لأنها القانون الذي كلما وجدت مقدماته الضرورية حدثت النتيجة دون تأخر ولا تعثر لان من خصائصها الاطراد والثبات قال الله تعالى (لن تجد لسنة الله تبديلا) الأحزاب : 62 الفتح :.23

لقد جاءت الدعوة بالمسارعة للمسلم في القران بصيغة الأمر لتقرع الأذان وتحرك النفوس والوجدان لتنبه الغافلين وتوقظ النائمين وتذكر الناسين وترشد الجاهلين وتدعوا الراغبين قال الله عز وجل (سارعوا إلى مغفرة من ربكم) ال عمران 133 وقال (انفروا خفافا وثقالا) التوبة 41 وقال (ففروا إلى الله) الداريات 50 و (فاستبقوا الخيرات) البقرة 148 المائدة 48 و (جاء من أقصى المدينة رجل يسعى) يس 20 و (قم فانذر) المدثر 2 و (أصدع بما تؤمر) الحجر 94 وكل هذه الصيغ تحمل في طياتها السرعة والسبق في الزمن الذي لايتاتى إلا للمسلم الذي فهم رسالة ربه وتدبرها واستخرج كنوزها وأسرارها ففاز في الدنيا والآخرة.

إن لكل قانون أو سنة مقدمات وضرورات وثمرات.

1_ مقدمات قانون السبق والمسارعة

أالهمة العالية :

فهي رأس الأمر ومقدمة الأشياء كما قال الجنيد البغدادي : (عليك بحفظ الهمة فان الهمة مقدمة الأشياء)

وهذا الحبيب رسول الله (ص) في غزوة الأحزاب في أشد الظروف حرجا وقد رمتهم الأعداء من كل حدب وصوب يبشر أصحابه بفتح بلاد فارس والروم

وكذالك يوم بلغت القلوب الحناجر وخرجت العيون من المحاجر يرسل رسول الله (ص) حذيفة يستطلع خبر القوم فيرجع إليه وهو قائم يصلي فيقول حذيفة

لله درك ما نسيت رسالة............... قدسية وعداك بالأبواب

أفديك ما رمشت عيونك رمشة........ في ساعة والموت في الأهداب

وهذا ابن القيم يرى نقصا في دينه إن كان يستطيع إن يحلق في السماء وقعد في الأرض وذالك لشدة همته وقوة عزيمته. ويتمنى عمر بن الخطاب (ض) دارا ملئ برجال مثل أبي عبيدة ابن الجراح. إذن أخي اثبت وثبت ، أشعل الهمة وفعل الأمة ، جرد حسام العزم وتوكل على الله واجمع أصحابك وكونوا كما قال الشاعر : رجالا إذا الدين ناداهم............... أجابوا بلبيك قبل الصدى

جرى حب نصرته في العروق.... فأضحى بها المنهض المقعدا

أذا ابتدؤاهمة في العلا.............. ففي ظله خيرا المبتدأ

المسلم الرسالي يجب إن تكون همته عالية كهمة عباد الرحمان الذين طلبوا الإمامة قال تعالى (واجعلنا للمتقين أماما) الفرقان 74 و كهمة الرجل الصالح الذي جاء مسرعا لنصرة الحق ولم يعتذر في قصة أصحاب القرية التي جاءها المرسلون.

ولا يجب أن يترك الكمال وهو قادر عليه كما قال الشاعر :

لم أرى في عيوب الناس عيبا..... كعيب القادرين على التمام

ب) _ الرؤية الواعية المستشرفة

هي رؤية تتشوف الهدف المنشود وتحسن استشرافه ، نظرة للامورثاقبة ترى بنور البصيرة بصائر الله التي أرسلها لعباده قال تعالى (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما إنا عليكم بحفيظ) الانعام 104 ولا يتأتى هذا إلا للمسلم الرسالى متدبر القرآن الناظر في سنن المجتمعات من خلال ما قصه القرآن من أخبار الأمم السابقة وما أخبر عنه بما سيلحق بالأمم اللاحقة ، كما في قصة أصحاب الجنة الذي حذر أصحابه قال تعالى (قال أوسطهم الم اقل لكم لولا تسبحون) القلم 28

ولابد من تشوف الهدف وجعله نصب العين ليغيب أبدا ألا وهو الجنة الغالية قال تعالى (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) ال عمران 133

وكذالك تجب معرفة ميدان السباق ووسائل السبق وقد لخصت هذه الآيات من القران الكريم كل ذالك قال تعالى (أيحسبون إنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لايشعرون إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يومنون والذين هم بربهم لايشركون والذين يوتون ما ءاتوا وقلبوهم وجلة إنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ولانكلف نفسا الاوسعها ولدينا كتاب ينطق

بالحق وهم لايظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذالك هم لها عاملون) المومنون 62

ت) _ المبادرة القاصدة (السابقة المسارعة)

المسلم الرسالي يبادر بالأعمال في أوقات الذروة جاء في الحديث عن الرسول (ص) قال (إذا فتح أحدكم باب خير فليسرع إليه فانه لا يدري متى يغلق عنه). وقال الشاعر :

إذا هبت رياحك فاغتنمها.... فان لكل خافقة سكونا

وفي الحديث عن عبد الله بن عمر إن رسول الله (ص) قال : (الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله).

الناس بين ثلاث أصناف كما حددتهم الآية الكريمة (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصدومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذالك هو الفضل الكبير) فاطر 32. والمسلم الرسالى دائما سابق بالخيرات.

ث) _ صنع المبادرة :

المسلم الرسالي يخلق المبادرة فهو كهدهد سليمان لاينتظر الامربل سباق إليه بكل ثقة وشجاعة وإقدام.

وهذا أبو أيوب الأنصاري يسبق الصحابة فيتصدق ببريحاء أحب ماله استجابة لأمر الله قال تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) ال عمران 62 وهذا من المعاصرين حسن البنا يسبق جيله فيؤسس للعمل الإسلامي ويبدع في تنظيمه فيخلق بذالك مبادرة كان لها الأثر العظيم.

ف) _ التنافس في المبادرة (التسابق في الخيرات ، استباق الخيرات) :

يجد المسلم الرسالي نفسه في ميدان فسيح لاستباق الخيرات والتنافس في الطاعات ويجد شعبا تربو على السبعين تهتف به وتستدعيه فيعرضها على مواهبه وقدراته فياخد منها ما يناسبه فيبذل فيه أحسن البذل يقول الرسول (ص) قال (ما نهيتكم عليه فاجتنبوه وما أمرتكم به فاتوا منه ما استطعتم ) ، انه في جهاد دائم على وجهة محددة عندما تتفرق بالناس السبل قال الله عز وجل (ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات) البقرة 148

2_ ضرورات السبق والمسارعة :

أ) الصبر والمصابرة

يقول الله تعالى (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغادة والعشي يريدون وجهه ولا تعدو عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) الكهف 28 فالصبر كما قال العلماء نصف الدين وهو خلق عظيم لا تنال عظائم الأمور إلا من طريقه قال الشاعر :

وما نيل المطالب بالتمني......... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

وفي ميدان السبق يحتاج المسلم السالي إلى أكثر من الصبر لتحقيق أهدافه ، يحتاج إلى المصابرة يقول الله تعالى موجها الذين امنوا (يأيها الذين امنوا اصبروا وصابرو ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). ال عمران 200

ب (اليقين والمثابرة :

على المسلم إن يكون يقينه في سبقه راسخا متمكنا من قلبه حتى لا تضره فتنة ولاشهوةومثابرا مداوما عليه وواثقا من نصر الله ووعده قال تعالى (ولا تهنوا ولتحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مومنين) ال عمران 139

ث) القرابة والتجارة :

إن اكبر مثبط للمرء عن فعل الخيرات هم قرابته وتجارته وقد حذرنا الله

تعالى منهم في كثير من الآيات منها (قل إن كان ءاباءكم وأبناءكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى ياتى الله بأمره والله لايهدي القوم الفاسقين) التوبة 24

ف) الغفلة والعجز والكسل :

لقد عرف النووي الكسل بأنه عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة فيه مع إمكانه والعجز بعدم القدرة عليه وقيل ترك ما يجب فعله وتسويفه. وهما من المعيقات لفعل الخير التي كان الرسول (ص) يتعوذ منهما في دعائه قال (ص) (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وقهر الرجال)

و كذالك الغفلة تصيب القلب فلا يعرف للخير طريقا ولا للسبق سبيلا يقول الله تعالى (بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذالك هم لها عاملون) المومنون 63

ق) الضعف والوهن والاستكانة :

الوهن هو قلة القدرة على العمل وعلى النهوض بالأمر وفي الحديث هو حب الدنيا وكراهية الموت إما الضعف هو قلة القوة في البدن والاستكانة

هي الخضوع والمذلة للعدو. عندما يصاب المرء بهذه الأمراض تخور العزائم ثم تفشل الأعضاء ويحصل الاستسلام ثم تكون المذلة والخضوع لكن المسلم الرسالى لا يصيبه شيء من هذا كما وصفه الله عز وجل (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين) ال عمران 146

3 -- ثمرات والمسارعة السبق :

أ) القرب من الله تعالى الوعد بنصره :

لقد وعد الله السابقون بالقرب منه في جنة النعيم قال تعالى (السابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الأخيرين) الواقعة 10-14

وكذالك وعدهم بنصره قال (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإنا جندنا لهم الغالبون) الصافات 171-173



ب) الاستجابة للدعاء ودخول الجنة



ومن ثمار المسارعة في الخيرات هو استجابة الدعاء وصلاح الذرية والأزواج قال تعالى (وزكرياء إذا نادى ربه رب لا تذرني فردا وآنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحي وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) الانبياء 90

وكذالك الفوز بالجنة كما جاء في قصة الرجل الصالح الذي جاء من أقصى المدينة يسعى (قيل ادخل الجنة قال يليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) يس 26 و كذالك قال (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذالك الفوز العظيم) التوبة 100 رضي الله عنهم فهم قدوتنا في السبق والمسارعة ، فهم ابر هذه الأمة قلوبا وأصدقها حديثا وأعمقها علما واقلها تكلفا وأكثرها بلاء وجهدا واسبقها وأسرعها إلى الخيرات اللهم اجعلنا على نهجهم وطريقهم واجعلنا بالخير موصوفين لاللخير واصفين وللخير سابقين لا للخير مسبوقين ءامين والحمد لله رب العالمين.

بقلم : عبد الزهيدي الهادي.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق